التراث والثقافة
لطالما افتخرت إمارة رأس الخيمة بتاريخها العريق وأصالتها واستقلاليتها وتميزها بطبيعتها الغنّاء، حيث تسكنها مجموعة من القبائل التي هاجر بعضها إلى جنوب شرق شبه الجزيرة العربية في القرن الثاني، وتتسم كل قبيلة فيها بطابع خاص بها، كما أسهم الموقع الجغرافي لإمارة رأس الخيمة في تراثها الثقافي، حيث تختلف القبائل التي تقطن الجبال عن تلك التي تعيش بالقرب من البحر، تماماً كما يختلفون عن أولئك الذين اتخذوا من الصحراء مسكناً لهم، وينحدر من كل قبيلة كبيرة العديد من القبائل الأخرى التي تحمل لقبها الخاص، فضلاً عن اللّهجات التي تميز أولئك الذين يسكنون الجبال عن أولئك الذين يعيشون على طول الساحل أو في الداخل. خريطة لشبه جزيرة مسندم، رسمها بيرترام توماس، تُظهر أراضي قبائل الساحل المتصالح، 1928. © مكتبة قطر الوطنية. وبحسب التاريخ، كانت القبائل التي تقطن الجبال أكثر تميّزاً، لا سيّما فيما يتعلق لهجتهم، وأشهرهم الشحي، أو الشحوح، فقد أبهرت لهجتهم المسافرين والعلماء لقرون عدّة، بما في ذلك الدبلوماسي والمستكشف البريطاني بيرترام توماس الذي زار مسندم في عام 1928 للميلاد. وأشار توماس في أسفاره إلى أن “لهجتهم الغريبة هي التي أربكت المسافرين”، كان توماس أول غربي مُؤرّخ يَعْبر الربع الخالي الذي ذَكَرَ أنه من المرجّح أن تكون لغتهم عِبارة عن مزيج من الفارسية والعربية، وأشار أيضاً إلى أن “لغتهم العربية – هم ثنائيو اللغة – متناغمة لكنها نقية نسبيًّا، وتعد العربية في هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية من دون أي أثر للهجة الفارسية”. عندما أجرى جوليان وولكر دراسة ترسيم الحدود في الخمسينيات، أفاد أيضاً في مذكراته بأن الشحوح تم تقسيمهم إلى قسمين رئيسيين، بني شاطر وبني هديّة، ويتحدثون “بلهجتهم الخاصة من اللغة العربية، تتخللها بعض الكلمات غير العربية” حتى اليوم، تواصل قبائل الشحوح في رأس الخيمة التحدث بلهجة يصعب على القبائل الأخرى فهمها، علاوة على ذلك فإن القبائل الجبلية الأخرى، مثل الحبوس الذين شكّلوا في الأصل جزءاً من بني هديّة، والزهري، يستخدمون أيضاً لهجة الشحوح. أما القبائل التي عاشت في الصحراء، فهي تضم الخاطري والشامسي والكتبي، بينما تشمل القبائل التي سكنت على طول الساحل، الزعاب (السكان الأصليون لمدينة الغوص على اللؤلؤ المهجورة الآن المسماة الجزيرة الحمراء)، والطنيج وآل علي (العلي). وتختلف ثقافة كل هذه القبائل وفقاً لبيئتها، سواء كانت جبلية، أو صحراوية، أو بحرية، بما في ذلك الموسيقى والرقص والشعر والفولكلور. والرقص بشكل عام له أهمية شعبية كبيرة، حيث يتم تقديم رقصات تقليدية مثل الوهابية والعيالة والرزفة في المناسبات الخاصة، مثل الأعراس والاحتفالات بالأعياد، ويتم توارث هذه العادات من جيل إلى جيل باستمرار؛ للتعبير عن القيم الاجتماعية والأخلاقية والجمالية لمجتمعاتهم، كما في فن السّرد القصصي والروائي. وتستند الكلمة المنطوقة إلى الشعر النبطي وشعر التغرودة، وتعود في أصولها إلى قرون عديدة، ويقدم الشكلان مزيجاً ساحراً من الكلمات الغنائية والحِكَم وفنون السّرد الخالدة للقصص، ويتميزان باستخدام اللهجات العامية، وفي شعر التغرودة، تنعقد مبارزات شعرية بين شخصين؛ فقد كان الماجدي بن ظاهر من أشهر الشعراء النبطيين، وهو شاعر شعبي عاش في رأس الخيمة في الفترة من أواخر القرن السادس عشر حتى أوائل القرن السابع عشر، وَوَصَف في شعره قسوة الصحراء وجمال البحر، وخلد بكلماته الخاصة تاريخ القبائل البدوية الشهيرة وسجّل قصصهم. وبمرور الوقت تحولت قصائده إلى موروث شعبي. لا يزال هذا الموروث الشّعري متناقلاً حتى اليوم، ويوجد أيضاً في الأمثال والأغاني والحكايات الشعبية، وتشمل الأخيرة قصصاً قصيرة تُعرف باسم “الخروفة” وتجمع (خراريف)، وتعني قصة غير عادية أو حكاية من نسج الخيال، أمّا الروايات التاريخية تسمى “سالفة”، ولا تزال الألعاب التقليدية، مثل “اليربة” و”الجبة” و”الزبوط” يلعبها الصّغار والكبار، وإن لم تكن منتشرة على نطاق واسع كما كانت عليه من قبل. أما المأكولات التقليدية، فتشكّل جزءاً أساسياً من التراث الثقافي لإمارة رأس الخيمة، وتشمل كل شيء من المجبوس (اللحم بنكهة البهارات والبصل والطماطم والليمون المجفف مع الأرز) إلى الجامي (خثارة اللبن المجفف منزوع الدسم) والهريس الذي يعد من أشهر المأكولات التقليدية (طبخ اللحم بالقمح والماء حتى يتحول إلى عصيدة)...وغيرها من المأكولات الشعبية، وفي الماضي القريب، كان البعض يجوب في الشوارع (بِصوانٍ) كبيرة مليئة بالخبز المصنوع محلّيًّا والذي يُعرف باسم الرقاق، وذلك يومي الخميس والجمعة، بينما يتم إعداد وجبات الطّعام للحَيّ بأكمله خلال الأعراس وفي المناسبات الخاصة الأخرى. وبالنّظر إلى أهمية الغوص على اللّؤلؤ، يبدو الاعتزاز بهذه الحرفة التّاريخية جلِيًّا في التقاليد والأغاني الشعبية، ففي كل عام، يترك غواصو اللّؤلؤ زوجاتهم وعائلاتهم متوجّهين إلى البحر مُدّة أربعَة أشْهُرٍ بحثًا عن اللؤلؤ، وعندما يبحرون بعيداً، تغني النّساءُ على أملِ عودةِ أزواجهِم سالمين. يبلغ ارتفاع هذا البرج 11.9 متراً، وهو يعد مثالاً نموذجياً لمبنى تقليدي تم تشييده لحاجات المراقبة والدفاع. © مكتب رأس الخيمة الإعلامي. كذلك كان الرجال يصدحون بأغانٍ تحفّزهم للعمل على ظهر السفينة بهِمّةٍ ونشاطٍ، لاسيّما عند التّجديفِ، أو رفعِ الأشرعةِ، حيث كانوا يعيشون في مُدُنٍ، مِثْل الجزيرةِ الحمراء التي شكّلت هندستها المعمارية التقليدية المصنوعة من الحجر المرجاني، فضلاً عن الحصون والبازارات والمساجد والمساكن التي تعكس نموذجاً لمدينة البحارة الأصيلة الوحيدة المتبقّيَة في رأس الخيمة، وربما في دولة الإمارات العربية المتحدة في الوقت الحاضر. تستضيف المدينة مهرجان رأس الخيمة السنوي للفنون البصرية، وهي تخضع لأعمالِ التّرميم منذ عام 2015، حيث بدأت دائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة مشروعاً للمحافظة على الجزيرة الحمراء، ومنذ ذلك الحين انْصَبّ التّركيز على تحويل المدينة إلى موقعٍ تراثيٍّ وطنِيّ، يتضمن ورش عملٍ ومتاحف ومركزاً للزّوار. من المواقع التّراثية المهمة الأخرى نجد قلعة ضاية التي كانت آخر المعاقل الدّفاعية في وجه الهجوم البريطاني عام 1819 للميلاد، حيث توجد على قمّة تلٍّ مخروطيّة تُطِلُّ على سهلٍ. ومن بين المباني الأخرى نجد قلعَتا الحديبة والفليّة، وهما حِصْنان إسلاميان أثريّان، وشاهدان على الحرب بين البريطانيين والقواسم. كما شَهِدا توقيعَ معاهدةِ السّلام البحريّة الدّائِمَةِ عام 1820 للميلاد في الفلية الملاذ الصيفي المفضل للقواسم. ويوجد أيضا في متحف رأس الخيمة الوطني حصن يعود إلى القرن التاسع عشر، تم تشييده على أرضِ قلعةٍ دمّرها البريطانيون خلال إحدى هجماتهم، واستُخدم المبنى ليكون مقرًّا لإقامةِ عائلة القواسم حتى عام 1964 للميلاد، ثم تحوّل لاحقًا إلى مقرٍ للشّرطة ومؤسّسةٍ عقابيّة، وفيما بعد تم تحويله إلى متحف في عام 1987 للميلاد. قلعة ضاية في رأس الخيمة. © Getty Images.
المجتمع
إنّ الأشخاص الذّين ولدوا في رأس الخيمة خلال العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية، لابدّ أنّهم قد اختبروا حياة مختلفة ومُغايرة تماماً عن حياة أجدادهم؛ فهم يتمتّعون بأسلوب حياة اجتماعي متقدم، ويعيشون في منازل مُكيّفة، ويَتَمتّعون برعايةٍ صحيّةٍ عالميّة المستوى، ويحصلون على تعليمِهم في مدارس حديثة تتيحُ لهم مستقبلاً زاخراً بالفرص، بما في ذلك السّفرُ للدّراسةِ في الجامعات خارج الإمارة، فضلاً عن مجموعةٍ واسعةٍ من المهن، كل هذا لم يكن من الممكن تصوره في السابق لشاب أو فتاة من منطقة جبليّة بعيدة، أو قرية ساحلية نائِيَة. كيف يمكن لهذه الحياة أن تختلف خلال جيل واحدٍ فقط؟ فعلى الرّغم من عدمِ وجودِ طرقٍ وندرةِ فرصِ العمل، إلاّ أنّ الحياةَ استمرت تماماً كما في القرون القليلة الماضية. عندما كتب الضابط إتش وايتلوك روايته عن العرب الذين سكنوا على طول الساحل بين رأس الخيمة وأبوظبي عام 1836 للميلاد، ذكر مجتمعاً نادراً ما يُسمع فيه عن الخلافات، وقال: “دائماً يكنّون لكبار السّن كل الاحترام والتقدير، ويقومون بواجب الأبناء”، كذلك كتب وايلتوك: “مجتمع كانت ضيافته مضرب الأمثال، ناهيك عن استشارة كبار السّن في الأمور المهمة كافة، إذ إنّ الولاءَ القَبَلِيّ يأتي قبلَ كلّ شيءٍ، على الرغم من عدم وجود ما يكفي من الطّعام والماء.” /span> “نظامهم الغذائي بسيط للغاية لكنّه صحي ومفيد؛ التّمر والسّمك وكعك الدّقيق والحليب للوجبات الرئيسة، وعلى الرغم من أن الأرز باهظ الثّمن، إلا أنهم يحبونه كثيراً”. كتب ويتلوك أيضاً: “يشكّل الدّجاج، أو لحم الماعز والفاكهة وجبة مسائية للفئات الاجتماعية العليا، في حين تشرب القهوة في أي وقت بأكواب خزفية الصنع صغيرة توضع في (صينية)، أو إطار مصنوع من الفضة أو النحاس حسب حالة المالك… ويتم تحضير كل ما ذكر في أوانٍ من الفخار، وعادة ما يتم وضع السّمك على الجمر للشّواء، في الوقت نفسه، تُغطى جوانب المقلاة بكعكِ القمح الذي سرعان ما يُخبز؛ السمك المحضّر بهذه الطريقة لذيذٌ جداً، التّمور وفيرة ورخيصة وتشكل طعامهم الرئيس، لم يتم زرع الفاكهة على هذا الساحل بأيّة كمية، ولكن يمكن الحصول على الليمون والبطيخ من السّوق، وأحياناً العنب الذي يتم جلبه من لينجار، أو المناطق الداخلية”. صورة لخور رأس الخيمة، عام 1960. © الأرشيف الوطني، الإمارات العربية المتحدة. استمر أسلوب الحياة هذا على حاله حتى قيام الاتحاد، وسجّلت العديد من مشروعات التّاريخ الشفهي حياة أولئك الذين عاشوا في رأس الخيمة، بما في ذلك مشروع نفّذته مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي للبحوث السّياسية عام 2020 للميلاد الذي كشف عن تفاصيل مهمّة ومعلومات وفيرة عن حياة من سكنوا الجزيرة الحمراء قبل هجرها عام 1968 للميلاد. يتذكر إبراهيم موسى الزعابي: “عندما يبلغ الصبي سن الخامسة عشرة يكون مسؤولاً عن نفسه”. وأضاف: “كان على جدي أن يصبح غوّاصاً ويذهب لصيد السّمك، وهو في سن 15 عاماً كان الأولاد يتعلمون في سن مبكرة، فأنا عندما كنت في السّادسة أو السّابعة من عمري، قام جدي بربط حجر حول قدمي لغرض الغوص. كان عليّ أن أتعلم من خلال مراقبة الرّجال الآخرين حتى أتمكّن أنا أيضاً من أن أصبح رجُلاً”. كان في مدينة رأس الخيمة سوقٌ كبيرٌ يبيع فيه أصحاب المتاجر الأرزَ والدّقيق والسُّكر من دبي أو من أم القيوين، ويقدّم التجار للعائلات كل ما يحتاجون إليه أثناء ذهاب الرجال إلى البحر في موسم الغوص، كان كل منزل في المدينة يتكون من طابقين إلى ثلاثة طوابق (قد يكون أحد هذه الطوابق عبارة عن غرفة واحدة كبيرة)، لمؤن الشّتاء بحيث تكون هذه الغرفة تواجه الشّرق لتوفير الدّفء مع ضوء الشمس، وطابق آخر صيفي يواجه الشمال مع توفر النّوافذ للتّهوية. وفي الصّيف يتوجه الجميع إمّا إلى بساتين النخيل، أو إلى المرتفعات الجبليّة الباردة. وقد يتّجه البعض إلى السّاحل الشرقي وعند عودتهم يجلبون التّمور من السّفن لبيعها في المدينة، أو توزيعها على الذّين يسكنون الأحياء المجاورة. يقول الزعابي: “اعتدنا الذّهاب إلى الفجيرة مع جدي. كان لديه مزرعة بها أشجارُ نخْلٍ كثيرة، مكثنا خمسة أو ستة أشهر ثم عدنا حاملين معنا التّمر بالسّفينة. في السّابق كان توزيع التّمر يتم كلّ يومين، ويتمّ ختم كلّ علبة تمرٍ بعلامةٍ، وبدافع الثّقة المتبادلة بين بعضهم بعضاً، كان الناس يدخلون إلى كل منزل ويضعون علب التمر، ثم يقومون بمغادرة المنزل. كنا نذهب أيضًا إلى الفجيرة على الإبل التي تكون محمّلة بالعديد من الأشياء، في السابق كان الأمر يستغرق من ستة إلى سبعة أيام، ولم نكن نأخذ الماء معنا؛ لأنه كان متوافراً في كل مكان بسبب المطر”. الطعام من المواد الأساسية؛ وعادة ما كان الفطور يتكون من التمر والقهوة (وربما الخبز)، بينما يتم تقديم الأرز والسّمك على العشاء، أمّا الرّعاية الطبيّة فقد تألفت بشكل رئيس من العلاجات التقليديّة، ولم تكن هناك مياه للشّرب، إذ كان يتوجب إحضار المياه في عبوات بواسطة الحمير كل يوم قبل الفجر، حتى فوانيس الإنارة كانت نادرة، وغالباً ما استَخْدَمَت العائلات المسراج (السّراج)، وهو عبارة عن زجاجة بفتيلة من القطن المنقوع بالكيروسين يضيء المكان عند اشتعاله، وأولئك الذين ليس لديهم كهرباء، كانوا يستخدمون بطاريات السّيارات لتشغيل أية أجهزة كهربائية قد تكون لديهم. لم تكن هناك هواتف، فقط عدد قليل من أجهزة الراديو، وعندما ظهرت أجهزة التلفزيون في الستينيات، كانت الكهرباء متوافرة لبضع ساعات في اليوم. وقبل ظهور السيارات الأولى في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كان الناس يسافرون على ظهور الحمير، ولكن حتى ذلك الحين كانت للأثرياء فقط. حتى الستينيات، كان عدد الأجانب الذين يعيشون في رأس الخيمة قليل جداً، ولكن بحلول عام 1975 للميلاد ارتفع عدد السكان ليصل إلى 43845 نسمة، منهم 29613 مواطناً و14232 من الجنسيات الأخرى، ثمّ ارتفع عدد السكان سريعاً في العقود القليلة التالية، ليصل إلى 345000 نسمة في عام 2015 للميلاد، ولا يزال الإماراتيون يشكلون النسبة الأكبر (%31 في عام 2015 للميلاد)، غير أن العديد من الأشخاص من جنسيات عديدة استقروا في الإمارة، وأصبحوا يَمْتَهِنون كل شيء تقريباً، صناعة المراكب الشراعية، والكهربائيين، والمهندسين، والمزارعين، والصيادين، والخياطين، والتجار، وعمال المنازل، والمدرسين، والممرضين، حيثُ أَسْهَمُوا جميعاً في نهضةِ إمارةِ رأسِ الخيمة الحديثة. عندما تَسَلّم صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، جائزة “القائد صاحب الرؤية” خلال حفل توزيع جوائز “أريبيان بيزنس” في عام 2018، وجه شكره لقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة وشعبها وأبناء رأس الخيمة ولكل من أسهم في إثراء تجربته وألْهَمه على مرّ السنين، وقال سموه: “إن سكان رأس الخيمة، المواطنين والمقيمين، يسهمون في جعل الإمارة مكاناً رائعاً للعيش والعمل”. وأضاف: “أشكر قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة التي أنشأت بيئة آمنة ومزدهرة للنّاس من جميع أنحاء العالم، فمن غير رؤية قيادتنا، لما أصبحت الدولة، هذا البلد العظيم الذي ننعم به اليوم”. صورة حديثة لمدينة رأس الخيمة، حيث تلتقي الأصالة بالحضارة. وفي الأفق نشاهد جبال الحجر المهيبة © Getty Images.
نظام التعليم والرعاية الصحية
حتى تأسيس وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، كان التّعليمُ والرّعاية الصّحية برأس الخيمة في مهدهما؛ ففي كليهما كان الاستثمار محدوداً للغاية، وحتى الخمسينيات من القرن الماضي، فشل البريطانيون في تلبية أبسط الاحتياجات التّعليمية والطّبيّة. وووفقاً للذّاكرة الحيّة التي لاتزال موجودة إلى يومنا هذا، لم يكن هناك سوى القليل من الرّعاية الطبيّة، فقد كان الناس يعتمدون بشكل شبه كامل على العلاج التقليدي، حيث انتشر العلاج بالكَيّ على نطاق واسع، وشملت بعض أنواع العلاج فرك (معجون الأكسيد الأحمر) على الجلد لعلاج النّكاف، واستخدام مياه البحر لعلاج بعض الكسور، كان هذا واقعاً بالنسبة لغالبية السكان حتى ظهور المستوصفات، وهو ما ورد في مذكرة المُقيم السّياسي البريطاني بدبي في شهر سبتمبر عام 1962 للميلاد، حيث يوجد في مدينة رأس الخيمة مستوصف من غرفتين فقط، وكَتَبَ ألفريد كريج، يقول: “مشفى بغرفتين و8 أسرّة، لم يتم تشغيله بالكامل بعد، على بُعد أميال قليلة من الموقع المختار للمدينة الجديدة” وأضاف كريج: “في الوقت الحاضر يوجد طبيب وصيدلاني، وسيتم تعيين ممرضة وقابلة هناك قريبًا، المبنى في جميع المستوصفات الأخرى عبارة عن منزل حجري مكون من غرفتين يعمل بها صيدلي باستمرار؛ كان أحد الأطباء المتجولين يزور كلّ عيادة خارجية مرتين في الشهر تقريباً، وقد كان يمكث مدة يومين إلى خمسة أيام، وذلك بحسب عدد المرضى”. عمل في هذا المستوصف أخصائي طبي كبير كان يعيش في دبي، غير أنه دأب على زيارة المنطقة من وقت لآخر. كتب كريج: “عمل تحت إشرافه طبيبان مسافران؛ أحدهما مسقطي، والآخر إنجليزي، إلى جانب طبيبين باكستانيين”، وكان الأطباء المسقطيّ والباكستانِيَيْن يعملون بدوام شبه كامل تقريباً في الشارقة ورأس الخيمة، على التوالي، وكان الصيادلة ينتمون إلى جنسيات أخرى مختلفة، وهم من إمارات الساحل المتصالح، وبلاد الفرس وباكستان، وحتى وقت قريب كان جميع العاملين في مجال الصيدلة من الرجال يتم تدريبهم في مستشفى بدبي، لكن مؤخراً تم تعيين باكستانيين تم تدريبهم بشكل كامل في مدارس الصيدلة بكراتشي”. وفي منتصف السّتينيات، انخرط مزيد من النّساء في نظام الرّعاية الصّحية بالإمارة، بمن في ذلك الممرضة الإنجليزية روث آش التي عملت في رأس الخيمة في الفترة من عام 1966 ولغاية 1971 للميلاد، وقد كان لها دور فعّال في السيطرة على تفشي مرض الجدري في بعض القرى النائية، وهكذا بدأ نظام الرعاية الصّحية يتطور في الإمارة ليصل إلى ما هو عليه اليوم، مع أحدث المستشفيات التي توفر مستويات عالمية للرّعاية الصحية، مثل مستشفى صقر، ومستشفى الشّيخ خليفة التّخصّصي، ومستشفى رأس الخيمة. مستشفى الشيخ خليفة التخصصي في رأس الخيمة. وينطبق مسار التّطور على قطاع التّعليم أيضاً؛ فقبل ظهور المدارس الأولى في الإمارة كان التعليم من اختصاص “المطوّع” (المعلم) الذي كان يدرّس إمّا في المسجد المحلي أو في المنزل، حيث يتم تعليم الأطفال المبادئ الأساسية لتلاوة القرآن الكريم والكتابة، وكذلك بعض أساسيّات علم الحساب البسيط، أمّا المعلّمات فكُنّ يعملن دائماً من المنزل، وكان طلابُهنّ من الأولاد والبنات الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، فبعدما يتعلم الطفل تلاوة القرآن الكريم وحفظه كاملاً، تنظّم أسرته لهذه المناسبة حفلة أطلق عليها اسم “التحميدة”، يشارك فيها جميع من يسكن الحي. في وقت لاحق وبعد افتتاح أولى مدارس رأس الخيمة، كانت هذه الاحتفالات تؤدي إلى إغلاق المدرسة لمدة ثلاثة أيام، حيث يتجول طلاب الصف بأكمله في الحي، ويجوبون الشوارع مرتدين أبهى الثّياب، خاصة الطّالب الذي يتم تكريمه، كما تنتظم الفئات الاجتماعية الأكثر ثراءً في توفير “الكتاتيب”؛ حيث يتعلم فيها الأطفال تلاوة القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، إلى جانب القراءة والكتابة وأساسيات الحساب أيضاً. كان الشيخ صقر، رحمه الله، من أوائل حكّام إمارات الساحل المتصالح الذين وضعوا التعليم بين سياسات الإمارة الرئيسة؛ حيث مَوّلَت دولةُ الكويت أُولى المدارس التي شُيّدت في الإمارة، وبحلول عام 1969 للميلاد، كان هناك إحدى عشرة مدرسة في رأس الخيمة، ست منها للبنين، وخمس للبنات، كما تم إنشاء مدرسة للزّراعة بمنطقة الدّقداقة في الخمسينيات من القرن الماضي، بتمويل من مكتب تنمية إمارات الساحل المتصالح، وأسهمت هذه المدرسة في إحداث ثورة زراعية في الستينيات، كتب جيه. سي. إريك، المستشار الزراعي في شعبة التنمية في الشرق الأوسط عام1957 للميلاد: “على وجه العموم، يتمتع سكان عُمان المتصالحة، بمعرفة وخبرة محدودة جداً في الزراعة وأصولها، وقد تقرّر افتتاح مدرسة زراعيّة صغيرة في المركز الزّراعي برأس الخيمة بإشراف الكابتن هانتينغتون، وإذا نجحت هذه المدرسة التي تم تخصيص أموال لها، فسوف تعتمد إلى حد كبير على جودة المُعَلّم، وما إذا كان بمقدوره جعل الدّورة عمليّة للغاية، يجب أن تبدأ الدورة في شهر سبتمبر وتستمر طوال فصل الشتاء حتى موسم الحصاد”. في عام 1969 للميلاد، قام مكتب تنمية إمارات الساحل المتصالح أيضاً، بتمويل تشييد مدرسة تجارية في رأس الخيمة، وكانت نسخة عن مدرستين قيد الإنشاء في دبي والشارقة. ووفرت المدرسة دورة تعليمية متوسطة مدتها أربع سنوات، وكانت السّنة الأولى عبارة عن دورة فنية تحضيرية لجميع الطلاب، أمّا السّنوات الثّلاث التّالية فكانت إمّا دورة هندسة عامة أو دورة نجارة. وفي السنة الأخيرة يتخصص الطّلاب عادةً في إحدى الدّورات التي تقدمها المدرسة مثل الأسلاك الكهربائية أو إصلاح السيارات أو اللّحام أو النّجارة. وبعد بضعة أعوام وتحديداً في عام 1975، تأسّست أكاديمية رأس الخيمة (عُرفِت سابقاً باسم مدرسة رأس الخيمة للمتحدثين باللّغة الإنجليزية)، بغرض توفير التّعليم لأبناء الجالية البريطانية المقيمين في الإمارة، وبمرور السنين وتحت رعاية صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة فُتحت أبواب المدرسة أمام الطّلاب كافة من مختلف الجنسيّات والإمكانات. واليوم تعد أكاديمية رأس الخيمة إحدى أقدم وأكبر وأرقى المدارس في الدولة، حيث تضم ما يزيد على 3200 طالب من 79 جنسية مختلفة في جميع المراحل الدّراسية التي تبدأ من مرحلة ما قبل رياض الأطفال ووصولاً إلى الصّف الثاني عشر، ضمن خمسة مباني تنتشر في مختلف مناطق إمارة رأس الخيمة. على الرغم من نسبة الأميّة التي بقيت مرتفعة حتى سبعينيات القرن الماضي، إلا أن التعليم أصبح عالميًّا، ما أدى إلى انتقال البدو ليسكنوا القرى الجديدة، وكانت الحافلات تصطحب أطفالهم إلى المدرسة كل صباح، واليوم يوفر القطاع التعليمي في رأس الخيمة أفضل فرص للتّعليم بحيث تتماشى مع أرقى المستويات العالمية، وذلك ضمن المدارس الحكومية والخاصة والجامعة الأميركية في رأس الخيمة. المدرسة الابتدائية الدولية التابعة لأكاديمية رأس الخيمة، مبنى الخزام.
الاقتصاد والسياحة
قال صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، في كلمته التي ألقاها خلال حفل توزيع جوائز “أريبيان بيزنس” لعام 2018 للميلاد: “يريدُ بعضُ الأشخاصِ تحقيق أهداف في حياتهم، ولكن الأهم من ذلك هو وضعُ علامةٍ للأجيال القادمة، وهذا ما أسعى لتحقيقه”. وأضاف: “أعمارنا كبشر محدودة لكن يجب أن يكون نجاح رأس الخيمة مستمرًّا ولا نهاية له بإذن الله”. لقد تعهد سموه - منذ توليه مقاليد الحكم - بدعم قطاع الأعمال التجارية وتبني مقاربة التنوّع الاقتصادي، وكانت النتيجة نموًّا هائلاً وإنشاء مركز اقتصادي عالمي، ناهيك عن إنشاء المناطق الحرة والمناطق الصّناعية في الإمارة بحيث تلائم مختلف أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر، كما رسّخت الإمارة مكانتها بوصفها مركزاً للتصنيع، حيث تنتج مواد البناء والبتروكيماويات والسيّراميك والأدوية وغيرها، وأصبح قطاع السّياحة في رأس الخيمة من بين القطاعات الأسرع نموًّا في المنطقة، حيث استقطب أكثر من مليون زائر في عام 2019 م. يعد “سيراميك رأس الخيمة” واحد من أعظم قصص النّجاح الصّناعي في الإمارة، مع 123 مليون متر مربع من البلاط وخمسة ملايين قطعة من الأدوات الصّحية التي يتم إنتاجها سنويًّا، ويقدم خدماته للمتعاملين فيما يزيد على 150 دولة، كما يعد “سيراميك رأس الخيمة” واحد من أكبر العلامات التجارية للسيراميك في العالم، يوجد المقر الرّئيس للشّركة في مدينة رأس الخيمة، ويعمل فيها ما يقرب من 12000 موظف عبر مكاتبها في أنحاء العالم، وتوزع منتجاتها من خلال شبكة من المراكز التّشغيلية في أوروبا والشّرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا والأميركيتين وأستراليا، وقد تم إدراج الشركة في كل من بورصة أبوظبي وبورصة دكا في بنغلاديش، ويبلغ حجم مبيعاتها السّنوية نحو مليار دولار أميركي، ولديها خطط لتوسيع انتشارها العالمي. صُنع البلاط في مصنع سيراميك رأس الخيمة. وتتخصص الشركة في إنتاج السّيراميك والبورسلان للجدران والأرضيات، فضلاً عن الأدوات الصحية، وهي رائدة في الابتكارات التّقنية السّباقة، وتستخدم مجموعة واسعة من التّقنيات في مصانعها بما في ذلك الطّباعة الرّقمية، وتقنيات مضادات الميكروبات، وتلتزم الشركة أيضاً بتحقيق الاستدامة ضمن سلسلة التّصنيع الخاصة بها، بدءاً من تصميم المنتجات وعمليات التّصنيع الفعّالة، إلى تولي دور محوري لتأسيس مجتمعات أفضل من خلال تحسين البيئة المحيطة. ومن الشّركات الكبرى الأخرى في رأس الخيمة نجد شركة تصنيع الأدوية “جلفار”، وهي واحدة من أكبر الشّركات المصنعة للأدوية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وواحدة من الشّركات العالمية الرائدة في تصنيع الإنسولين في العالم، تأسست عام 1980 للميلاد، بتوجيهات من المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ صقر بن محمد القاسمي. واليوم يعمل لدى الشركة أكثر من 5000 موظف، وتقدم حلولاً للرّعاية الصحية عالية الجودة ومبتكرة وبأسعار معقولة للمتعاملين في جميع أنحاء العالم. ولعل قطاع السّياحة في إمارة رأس الخيمة سطّر مؤخراً أعظم قصص النّجاح؛ فمنذ إنشاء هيئة رأس الخيمة لتنمية السّياحة في عام 2011 للميلاد، أصبحت رأس الخيمة الوجهة الّسياحية الأسرع نموًا في المنطقة، حيث نما إجمالي عدد زوار الإمارة بشكل ملحوظ، ليصل إلى ما يقرب من 1.2 مليون زائر في عام 2019، واعتمد هذا النجاح على تنوع بيئاتها الطّبيعية، بدءًا من صحرائها الشاسعة إلى أشجارها من المانغروف الوارفة وشواطئها الخلاّبة، إذ أسهمت هذه الطبيعة باستقطاب الزّوار منذ آلاف السّنين، وأثبتت أنّها أعظم أصولها. ووسط كل هذا يرتفع جبل جيس شامخاً، فهو أعلى جبل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي السنوات الأخيرة كشفت هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة عن سلسلة من مشروعات المغامرات المشوّقة والصديقة للبيئة في جبل جيس، ما عزز من سمعة الإمارة بوصفها مركزاً للمغامرات في منطقة الشّرق الأوسط. لقد أصبح جبل جيس وجهة رائدة ترتقي بالقطاع السّياحي إلى آفاق نمو جديدة، وذلك من خلال افتتاح وجهة جبل جيس للمغامرات التي تحفل بالعديد من النّشاطات السّياحية، والتي تسهم في ترسيخ مكانة الإمارة كوجهةٍ مفضلةٍ للمغامرات في منطقة الشّرق الأوسط، وتضم قائمة التّجارب في جبل جيس قمة جيس للمغامرة، ومتنزه منصة المشاهدة، والمسار الانزلاقي “جبل جيس فلايت”، إلى جانب متاهة جيس المعلقة وجولة جيس المعلقة، كما توجه التركيز على تطوير القطاع السياحي نحو جبل جيس الذي أصبح محفزاً لتحسين القطاع وتوسيعه، والذي يضم أيضاً أنشطة عدّة، مثل: متنزه للمغامرات ونشاطات تسلّق الصّخور ومسارات الجري والتخييم، و”فيافيراتا” أول منشأة تجارية لتسلق الجبال في الشرق الأوسط، كما شهدت رأس الخيمة افتتاح أول مخيم بير جريلز للمستكشفين في العالم، ولتجربة أكثر تميزاً يمكن التوجه إلى هناك لتناول الطّعام في أعلى مطعم في الإمارات العربية المتحدة الذي يحمل اسم “1484 من بورو”. لقد أسهمت هذه المشروعات والمرافق كافة بتعزيز تنوّع قطاع السّياحة في الإمارة، والارتقاء بمعايير المغامرات والتجارب السياحية إلى مستويات جديدة. جبل جيس في رأس الخيمة. وآتت جميع هذه الاستثمارات ثمارَها، ليس فقط على صعيد عدد الزّوار بل من حيث التقدير أيضًا؛ فعلى مدى عامين متتاليين تمت تسمية رأس الخيمة عاصمة للسّياحة الخليجية، وأصبحت المدينة الأولى على مستوى العالم التي تحصل على ملصق الامتثال من “بيرو فيريتاس” وختم “السّفر الآمن” من المجلس العالمي للسّفر والسّياحة. لقد كانت هذه الإنجازات بعيدة المنال في عام 1960 للميلاد، عندما لم يكن هناك فندق واحد في رأس الخيمة، حتى أنه في ثمانينيات القرن الماضي، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الفنادق، ولكن في السّنوات الأخيرة تغير الوضع بشكل كبير، إذ شهدت الإمارة على مدى السّنوات العشر الماضية طفرة في التنمية والتطوير، ووصل عدد الفنادق فيها عام 2021 للميلاد إلى ما يقرب من خمسين فندقاً، مع توقعات بالمزيد في المستقبل القريب. لقد شمل هذا التطور جزيرة المرجان التي تبعد نحو 4.5 كيلومترات في البحر وتغطي مساحة 2.7 مليون متر مربع، إضافة إلى منتجع رأس الخيمة الفاخر والدورف أستوريا الواقع في قرية الحمراء. بالمقابل، شكّلت القطاعات الرئيسة كالغوص بحثاً عن اللؤلؤ وصيد الأسماك والزراعة مصدرَ رزقٍ لقرون عدّة. غير أن المبادرات الحديثة، مثل مزرعة لآلئ السويدي التي أسسها عبد الله السويدي في عام 2005 للميلاد، والتي سعى من خلالها إلى إحياء تقليد لم يعد هذا التّقليد اليوم مصدر رزق قابل للاستمرار. علاوة على ذلك، لا تزال الزّراعة تمثل نشاطاً اقتصادياً مهمًّا، وتعد رأس الخيمة واحدة من المناطق الرّئيسة للإنتاج الزّراعي في دولة الإمارات العربية المتحدة. فالإمارة شكّلت على مدى التاريخ مصدراً رئيساً للمنتجات وتصديرها، خاصة إلى مملكة هرمز التي اعتمدت بشكل كبير على مزارع النخيل في رأس الخيمة وجني التّمور والبرتقال واللّيمون -أخذ ليمون جلفار البرتغالي اسمه أيضاً من ميناء الإمارة الذي ازدهر في العصور الوسطى-، وتستمر الإمارة في عصرنا الحالي بالاستثمار في الزّراعة، حيث محطة الاختبارات الزّراعية في الدقداقة. وفي بدايات عام 1955 للميلاد، كانت رأس الخيمة تتطلّع إلى تحسين الإنتاج الزّراعي، وذلك من خلال الاستثمار في مزرعة تجريبية، وعلى الرّغم من أن أولئك الذين سكنوا على طول السّاحل وفي بساتين النخيل بالإمارة قد حافظوا على درجة عالية من الإنتاج الزراعي لقرون عدة، إلاّ أن المحاصيل التي تمت زراعتها خلال العقود التي سبقت الاتحاد قليلة جداً، ومن أجل دعم الإنتاج الزراعي وإدخال أساليب زراعية جديدة، تم إنشاء محطة اختبار زراعية وافتتاح مدرسة بعد ذلك بوقت قصير، كما تم اختيار أوبري فون أولينباخ -مدير الزراعة في حكومة البحرين-لدراسة المنطقة في منتصف الخمسينيّات من القرن الماضي وبحث قابليتها للتّجربة، وتم تعيين روبن هانتينغتون -وهو جندي سابق- لقيادة المحطة، وبقي فيها حتى عام 1961 للميلاد. أثبتت المحطة أنها ناجحة للغاية، حيث كتب جيه. سي. إيرك -المستشار الزراعي في قسم التنمية في الشرق الأوسط-، يقول: “تمت زراعة محاصيل ممتازة من الطّماطم والملفوف والخس والبصل والخضراوات الأخرى، إلى جانب نباتات البرسيم المزهرة (الجت) للأعلاف”. كما ذكر في عام 1957 للميلاد: “هذه الأراضي دليل جيد للمزارعين المحليين، ولما يمكن القيام به بشرط الاهتمام الكافي بالتفاصيل، ويمكن زراعة شتلات من الخضراوات، مثل الملفوف والطماطم في المحطة لتوزيعها على المزارعين إلى أن يصبحوا من ذوي الخبرة الكافية”. لقد أسهمت المحطة، إلى جانب المدرسة الزّراعية، في إحداث نقلة نوعية في مجال الزّراعة بإمارة رأس الخيمة، وتطورت لتشمل مكاتب وعيادة بيطريّة وورشة ميكانيكيّة، فضلاً عن مزارع للدّواجن التي ضمّت 700 دجاجة مستوردة. إضافة إلى ذلك، كان هناك قِطْعان من الماشية السّنديّة الحمراء والماعز الدمشقي. حيث كتب جيه. سي: “في فصل الشّتاء المقبل، يجب إجراء اختبار بسيط لمحصول واحد أو محصولين، مثل الطّماطم والبصل، لمعرفة ما إذا كان يمكن تقليل كمية المياه المطلوبة، السّيد فان أولينباخ سيكون قادراً على تقديم المشورة بشأن كيفية إجراء هذه التجربة البسيطة، من شأن هذه التجارب أن تُظهر إمكانية زراعة مساحات كبيرة بالمياه المتاحة، وسيُشكّل هذا الأمر أهمية كبرى للمزارعين المحليين”. كما اقترح جيه. سي أيضاً، أن تقتصر المدرسة على ثمانية من الصبية تقريباً، فكتب يقول: “ستلبي المدرسة الاحتياجات الأساسيّة، ولكن يجب اختيار الأولاد بعناية من بين العائلات التي يمكنها تطوير أراضيها. سيساعد الأولاد في زراعة الأراضي في المحطة الزّراعية برأس الخيمة، ومن المفضل أن يكتسب الأولاد أيضاً بعض الخبرة في رعاية الثّروة الحيوانية”. استمر نشاط المحطة والمدرسة الزّراعية حتى عام 1972 للميلاد، إذ تولّت إدارتهما وزارة الزّراعة والثّروة السمكية، وهي الآن تتبع وزارة البيئة والتغيّر المناخي، حيث يتم التّركيز على نظام التّنمية المستدامة الوطنيّة للزّراعة، نظراً لأن الأمن الغذائي يمثل أولوية وطنية، كما يتوجه التركيز نحو المحافظة على المياه والزّراعة المائية والزّراعة العضويّة وتعزيز وتنفيذ وتركيب أنظمة الرّي الحديثة، وتعد جميع هذه المبادرات جزءاً لا يتجزأ من مبادرات الأمن الغذائي لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تشمل جهود تحسين وتعزيز إنتاج الأراضي، وتقليل استخدام المياه، والاستثمار في المنتجات العضوية وتربية الأحياء المائيّة.