حتى تأسيس وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، كان التّعليمُ والرّعاية الصّحية برأس الخيمة في مهدهما؛ ففي كليهما كان الاستثمار محدوداً للغاية، وحتى الخمسينيات من القرن الماضي، فشل البريطانيون في تلبية أبسط الاحتياجات التّعليمية والطّبيّة.وووفقاً للذّاكرة الحيّة التي لاتزال موجودة إلى يومنا هذا، لم يكن هناك سوى القليل من الرّعاية الطبيّة، فقد كان الناس يعتمدون بشكل شبه كامل على العلاج التقليدي، حيث انتشر العلاج بالكَيّ على نطاق واسع، وشملت بعض أنواع العلاج فرك (معجون الأكسيد الأحمر) على الجلد لعلاج النّكاف، واستخدام مياه البحر لعلاج بعض الكسور، كان هذا واقعاً بالنسبة لغالبية السكان حتى ظهور المستوصفات، وهو ما ورد في مذكرة المُقيم السّياسي البريطاني بدبي في شهر سبتمبر عام 1962 للميلاد، حيث يوجد في مدينة رأس الخيمة مستوصف من غرفتين فقط، وكَتَبَ ألفريد كريج، يقول: “مشفى بغرفتين و8 أسرّة، لم يتم تشغيله بالكامل بعد، على بُعد أميال قليلة من الموقع المختار للمدينة الجديدة” وأضاف كريج: “في الوقت الحاضر يوجد طبيب وصيدلاني، وسيتم تعيين ممرضة وقابلة هناك قريبًا، المبنى في جميع المستوصفات الأخرى عبارة عن منزل حجري مكون من غرفتين يعمل بها صيدلي باستمرار؛ كان أحد الأطباء المتجولين يزور كلّ عيادة خارجية مرتين في الشهر تقريباً، وقد كان يمكث مدة يومين إلى خمسة أيام، وذلك بحسب عدد المرضى”.عمل في هذا المستوصف أخصائي طبي كبير كان يعيش في دبي، غير أنه دأب على زيارة المنطقة من وقت لآخر. كتب كريج: “عمل تحت إشرافه طبيبان مسافران؛ أحدهما مسقطي، والآخر إنجليزي، إلى جانب طبيبين باكستانيين”، وكان الأطباء المسقطيّ والباكستانِيَيْن يعملون بدوام شبه كامل تقريباً في الشارقة ورأس الخيمة، على التوالي، وكان الصيادلة ينتمون إلى جنسيات أخرى مختلفة، وهم من إمارات الساحل المتصالح، وبلاد الفرس وباكستان، وحتى وقت قريب كان جميع العاملين في مجال الصيدلة من الرجال يتم تدريبهم في مستشفى بدبي، لكن مؤخراً تم تعيين باكستانيين تم تدريبهم بشكل كامل في مدارس الصيدلة بكراتشي”.وفي منتصف السّتينيات، انخرط مزيد من النّساء في نظام الرّعاية الصّحية بالإمارة، بمن في ذلك الممرضة الإنجليزية روث آش التي عملت في رأس الخيمة في الفترة من عام 1966 ولغاية 1971 للميلاد، وقد كان لها دور فعّال في السيطرة على تفشي مرض الجدري في بعض القرى النائية، وهكذا بدأ نظام الرعاية الصّحية يتطور في الإمارة ليصل إلى ما هو عليه اليوم، مع أحدث المستشفيات التي توفر مستويات عالمية للرّعاية الصحية، مثل مستشفى صقر، ومستشفى الشّيخ خليفة التّخصّصي، ومستشفى رأس الخيمة.مستشفى الشيخ خليفة التخصصي في رأس الخيمة.وينطبق مسار التّطور على قطاع التّعليم أيضاً؛ فقبل ظهور المدارس الأولى في الإمارة كان التعليم من اختصاص “المطوّع” (المعلم) الذي كان يدرّس إمّا في المسجد المحلي أو في المنزل، حيث يتم تعليم الأطفال المبادئ الأساسية لتلاوة القرآن الكريم والكتابة، وكذلك بعض أساسيّات علم الحساب البسيط، أمّا المعلّمات فكُنّ يعملن دائماً من المنزل، وكان طلابُهنّ من الأولاد والبنات الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، فبعدما يتعلم الطفل تلاوة القرآن الكريم وحفظه كاملاً، تنظّم أسرته لهذه المناسبة حفلة أطلق عليها اسم “التحميدة”، يشارك فيها جميع من يسكن الحي. في وقت لاحق وبعد افتتاح أولى مدارس رأس الخيمة، كانت هذه الاحتفالات تؤدي إلى إغلاق المدرسة لمدة ثلاثة أيام، حيث يتجول طلاب الصف بأكمله في الحي، ويجوبون الشوارع مرتدين أبهى الثّياب، خاصة الطّالب الذي يتم تكريمه، كما تنتظم الفئات الاجتماعية الأكثر ثراءً في توفير “الكتاتيب”؛ حيث يتعلم فيها الأطفال تلاوة القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، إلى جانب القراءة والكتابة وأساسيات الحساب أيضاً.كان الشيخ صقر، رحمه الله، من أوائل حكّام إمارات الساحل المتصالح الذين وضعوا التعليم بين سياسات الإمارة الرئيسة؛ حيث مَوّلَت دولةُ الكويت أُولى المدارس التي شُيّدت في الإمارة، وبحلول عام 1969 للميلاد، كان هناك إحدى عشرة مدرسة في رأس الخيمة، ست منها للبنين، وخمس للبنات، كما تم إنشاء مدرسة للزّراعة بمنطقة الدّقداقة في الخمسينيات من القرن الماضي، بتمويل من مكتب تنمية إمارات الساحل المتصالح، وأسهمت هذه المدرسة في إحداث ثورة زراعية في الستينيات، كتب جيه. سي. إريك، المستشار الزراعي في شعبة التنمية في الشرق الأوسط عام1957 للميلاد: “على وجه العموم، يتمتع سكان عُمان المتصالحة، بمعرفة وخبرة محدودة جداً في الزراعة وأصولها، وقد تقرّر افتتاح مدرسة زراعيّة صغيرة في المركز الزّراعي برأس الخيمة بإشراف الكابتن هانتينغتون، وإذا نجحت هذه المدرسة التي تم تخصيص أموال لها، فسوف تعتمد إلى حد كبير على جودة المُعَلّم، وما إذا كان بمقدوره جعل الدّورة عمليّة للغاية، يجب أن تبدأ الدورة في شهر سبتمبر وتستمر طوال فصل الشتاء حتى موسم الحصاد”. في عام 1969 للميلاد، قام مكتب تنمية إمارات الساحل المتصالح أيضاً، بتمويل تشييد مدرسة تجارية في رأس الخيمة، وكانت نسخة عن مدرستين قيد الإنشاء في دبي والشارقة. ووفرت المدرسة دورة تعليمية متوسطة مدتها أربع سنوات، وكانت السّنة الأولى عبارة عن دورة فنية تحضيرية لجميع الطلاب، أمّا السّنوات الثّلاث التّالية فكانت إمّا دورة هندسة عامة أو دورة نجارة. وفي السنة الأخيرة يتخصص الطّلاب عادةً في إحدى الدّورات التي تقدمها المدرسة مثل الأسلاك الكهربائية أو إصلاح السيارات أو اللّحام أو النّجارة.وبعد بضعة أعوام وتحديداً في عام 1975، تأسّست أكاديمية رأس الخيمة (عُرفِت سابقاً باسم مدرسة رأس الخيمة للمتحدثين باللّغة الإنجليزية)، بغرض توفير التّعليم لأبناء الجالية البريطانية المقيمين في الإمارة، وبمرور السنين وتحت رعاية صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة فُتحت أبواب المدرسة أمام الطّلاب كافة من مختلف الجنسيّات والإمكانات. واليوم تعد أكاديمية رأس الخيمة إحدى أقدم وأكبر وأرقى المدارس في الدولة، حيث تضم ما يزيد على 3200 طالب من 79 جنسية مختلفة في جميع المراحل الدّراسية التي تبدأ من مرحلة ما قبل رياض الأطفال ووصولاً إلى الصّف الثاني عشر، ضمن خمسة مباني تنتشر في مختلف مناطق إمارة رأس الخيمة.على الرغم من نسبة الأميّة التي بقيت مرتفعة حتى سبعينيات القرن الماضي، إلا أن التعليم أصبح عالميًّا، ما أدى إلى انتقال البدو ليسكنوا القرى الجديدة، وكانت الحافلات تصطحب أطفالهم إلى المدرسة كل صباح، واليوم يوفر القطاع التعليمي في رأس الخيمة أفضل فرص للتّعليم بحيث تتماشى مع أرقى المستويات العالمية، وذلك ضمن المدارس الحكومية والخاصة والجامعة الأميركية في رأس الخيمة.المدرسة الابتدائية الدولية التابعة لأكاديمية رأس الخيمة، مبنى الخزام.
الاقتصاد والسياحة
قال صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، في كلمته التي ألقاها خلال حفل توزيع جوائز “أريبيان بيزنس” لعام 2018 للميلاد: “يريدُ بعضُ الأشخاصِ تحقيق أهداف في حياتهم، ولكن الأهم من ذلك هو وضعُ علامةٍ للأجيال القادمة، وهذا ما أسعى لتحقيقه”. وأضاف: “أعمارنا كبشر محدودة لكن يجب أن يكون نجاح رأس الخيمة مستمرًّا ولا نهاية له بإذن الله”.لقد تعهد سموه - منذ توليه مقاليد الحكم - بدعم قطاع الأعمال التجارية وتبني مقاربة التنوّع الاقتصادي، وكانت النتيجة نموًّا هائلاً وإنشاء مركز اقتصادي عالمي، ناهيك عن إنشاء المناطق الحرة والمناطق الصّناعية في الإمارة بحيث تلائم مختلف أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر، كما رسّخت الإمارة مكانتها بوصفها مركزاً للتصنيع، حيث تنتج مواد البناء والبتروكيماويات والسيّراميك والأدوية وغيرها، وأصبح قطاع السّياحة في رأس الخيمة من بين القطاعات الأسرع نموًّا في المنطقة، حيث استقطب أكثر من مليون زائر في عام 2019 م.يعد “سيراميك رأس الخيمة” واحد من أعظم قصص النّجاح الصّناعي في الإمارة، مع 123 مليون متر مربع من البلاط وخمسة ملايين قطعة من الأدوات الصّحية التي يتم إنتاجها سنويًّا، ويقدم خدماته للمتعاملين فيما يزيد على 150 دولة، كما يعد “سيراميك رأس الخيمة” واحد من أكبر العلامات التجارية للسيراميك في العالم، يوجد المقر الرّئيس للشّركة في مدينة رأس الخيمة، ويعمل فيها ما يقرب من 12000 موظف عبر مكاتبها في أنحاء العالم، وتوزع منتجاتها من خلال شبكة من المراكز التّشغيلية في أوروبا والشّرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا والأميركيتين وأستراليا، وقد تم إدراج الشركة في كل من بورصة أبوظبي وبورصة دكا في بنغلاديش، ويبلغ حجم مبيعاتها السّنوية نحو مليار دولار أميركي، ولديها خطط لتوسيع انتشارها العالمي.صُنع البلاط في مصنع سيراميك رأس الخيمة.وتتخصص الشركة في إنتاج السّيراميك والبورسلان للجدران والأرضيات، فضلاً عن الأدوات الصحية، وهي رائدة في الابتكارات التّقنية السّباقة، وتستخدم مجموعة واسعة من التّقنيات في مصانعها بما في ذلك الطّباعة الرّقمية، وتقنيات مضادات الميكروبات، وتلتزم الشركة أيضاً بتحقيق الاستدامة ضمن سلسلة التّصنيع الخاصة بها، بدءاً من تصميم المنتجات وعمليات التّصنيع الفعّالة، إلى تولي دور محوري لتأسيس مجتمعات أفضل من خلال تحسين البيئة المحيطة.ومن الشّركات الكبرى الأخرى في رأس الخيمة نجد شركة تصنيع الأدوية “جلفار”، وهي واحدة من أكبر الشّركات المصنعة للأدوية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وواحدة من الشّركات العالمية الرائدة في تصنيع الإنسولين في العالم، تأسست عام 1980 للميلاد، بتوجيهات من المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ صقر بن محمد القاسمي. واليوم يعمل لدى الشركة أكثر من 5000 موظف، وتقدم حلولاً للرّعاية الصحية عالية الجودة ومبتكرة وبأسعار معقولة للمتعاملين في جميع أنحاء العالم.ولعل قطاع السّياحة في إمارة رأس الخيمة سطّر مؤخراً أعظم قصص النّجاح؛ فمنذ إنشاء هيئة رأس الخيمة لتنمية السّياحة في عام 2011 للميلاد، أصبحت رأس الخيمة الوجهة الّسياحية الأسرع نموًا في المنطقة، حيث نما إجمالي عدد زوار الإمارة بشكل ملحوظ، ليصل إلى ما يقرب من 1.2 مليون زائر في عام 2019، واعتمد هذا النجاح على تنوع بيئاتها الطّبيعية، بدءًا من صحرائها الشاسعة إلى أشجارها من المانغروف الوارفة وشواطئها الخلاّبة، إذ أسهمت هذه الطبيعة باستقطاب الزّوار منذ آلاف السّنين، وأثبتت أنّها أعظم أصولها. ووسط كل هذا يرتفع جبل جيس شامخاً، فهو أعلى جبل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي السنوات الأخيرة كشفت هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة عن سلسلة من مشروعات المغامرات المشوّقة والصديقة للبيئة في جبل جيس، ما عزز من سمعة الإمارة بوصفها مركزاً للمغامرات في منطقة الشّرق الأوسط. لقد أصبح جبل جيس وجهة رائدة ترتقي بالقطاع السّياحي إلى آفاق نمو جديدة، وذلك من خلال افتتاح وجهة جبل جيس للمغامرات التي تحفل بالعديد من النّشاطات السّياحية، والتي تسهم في ترسيخ مكانة الإمارة كوجهةٍ مفضلةٍ للمغامرات في منطقة الشّرق الأوسط، وتضم قائمة التّجارب في جبل جيس قمة جيس للمغامرة، ومتنزه منصة المشاهدة، والمسار الانزلاقي “جبل جيس فلايت”، إلى جانب متاهة جيس المعلقة وجولة جيس المعلقة، كما توجه التركيز على تطوير القطاع السياحي نحو جبل جيس الذي أصبح محفزاً لتحسين القطاع وتوسيعه، والذي يضم أيضاً أنشطة عدّة، مثل: متنزه للمغامرات ونشاطات تسلّق الصّخور ومسارات الجري والتخييم، و”فيافيراتا” أول منشأة تجارية لتسلق الجبال في الشرق الأوسط، كما شهدت رأس الخيمة افتتاح أول مخيم بير جريلز للمستكشفين في العالم، ولتجربة أكثر تميزاً يمكن التوجه إلى هناك لتناول الطّعام في أعلى مطعم في الإمارات العربية المتحدة الذي يحمل اسم “1484 من بورو”. لقد أسهمت هذه المشروعات والمرافق كافة بتعزيز تنوّع قطاع السّياحة في الإمارة، والارتقاء بمعايير المغامرات والتجارب السياحية إلى مستويات جديدة.جبل جيس في رأس الخيمة.وآتت جميع هذه الاستثمارات ثمارَها، ليس فقط على صعيد عدد الزّوار بل من حيث التقدير أيضًا؛ فعلى مدى عامين متتاليين تمت تسمية رأس الخيمة عاصمة للسّياحة الخليجية، وأصبحت المدينة الأولى على مستوى العالم التي تحصل على ملصق الامتثال من “بيرو فيريتاس” وختم “السّفر الآمن” من المجلس العالمي للسّفر والسّياحة. لقد كانت هذه الإنجازات بعيدة المنال في عام 1960 للميلاد، عندما لم يكن هناك فندق واحد في رأس الخيمة، حتى أنه في ثمانينيات القرن الماضي، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الفنادق، ولكن في السّنوات الأخيرة تغير الوضع بشكل كبير، إذ شهدت الإمارة على مدى السّنوات العشر الماضية طفرة في التنمية والتطوير، ووصل عدد الفنادق فيها عام 2021 للميلاد إلى ما يقرب من خمسين فندقاً، مع توقعات بالمزيد في المستقبل القريب. لقد شمل هذا التطور جزيرة المرجان التي تبعد نحو 4.5 كيلومترات في البحر وتغطي مساحة 2.7 مليون متر مربع، إضافة إلى منتجع رأس الخيمة الفاخر والدورف أستوريا الواقع في قرية الحمراء.بالمقابل، شكّلت القطاعات الرئيسة كالغوص بحثاً عن اللؤلؤ وصيد الأسماك والزراعة مصدرَ رزقٍ لقرون عدّة. غير أن المبادرات الحديثة، مثل مزرعة لآلئ السويدي التي أسسها عبد الله السويدي في عام 2005 للميلاد، والتي سعى من خلالها إلى إحياء تقليد لم يعد هذا التّقليد اليوم مصدر رزق قابل للاستمرار. علاوة على ذلك، لا تزال الزّراعة تمثل نشاطاً اقتصادياً مهمًّا، وتعد رأس الخيمة واحدة من المناطق الرّئيسة للإنتاج الزّراعي في دولة الإمارات العربية المتحدة. فالإمارة شكّلت على مدى التاريخ مصدراً رئيساً للمنتجات وتصديرها، خاصة إلى مملكة هرمز التي اعتمدت بشكل كبير على مزارع النخيل في رأس الخيمة وجني التّمور والبرتقال واللّيمون -أخذ ليمون جلفار البرتغالي اسمه أيضاً من ميناء الإمارة الذي ازدهر في العصور الوسطى-، وتستمر الإمارة في عصرنا الحالي بالاستثمار في الزّراعة، حيث محطة الاختبارات الزّراعية في الدقداقة.وفي بدايات عام 1955 للميلاد، كانت رأس الخيمة تتطلّع إلى تحسين الإنتاج الزّراعي، وذلك من خلال الاستثمار في مزرعة تجريبية، وعلى الرّغم من أن أولئك الذين سكنوا على طول السّاحل وفي بساتين النخيل بالإمارة قد حافظوا على درجة عالية من الإنتاج الزراعي لقرون عدة، إلاّ أن المحاصيل التي تمت زراعتها خلال العقود التي سبقت الاتحاد قليلة جداً، ومن أجل دعم الإنتاج الزراعي وإدخال أساليب زراعية جديدة، تم إنشاء محطة اختبار زراعية وافتتاح مدرسة بعد ذلك بوقت قصير، كما تم اختيار أوبري فون أولينباخ -مدير الزراعة في حكومة البحرين-لدراسة المنطقة في منتصف الخمسينيّات من القرن الماضي وبحث قابليتها للتّجربة، وتم تعيين روبن هانتينغتون -وهو جندي سابق- لقيادة المحطة، وبقي فيها حتى عام 1961 للميلاد.أثبتت المحطة أنها ناجحة للغاية، حيث كتب جيه. سي. إيرك -المستشار الزراعي في قسم التنمية في الشرق الأوسط-، يقول: “تمت زراعة محاصيل ممتازة من الطّماطم والملفوف والخس والبصل والخضراوات الأخرى، إلى جانب نباتات البرسيم المزهرة (الجت) للأعلاف”. كما ذكر في عام 1957 للميلاد: “هذه الأراضي دليل جيد للمزارعين المحليين، ولما يمكن القيام به بشرط الاهتمام الكافي بالتفاصيل، ويمكن زراعة شتلات من الخضراوات، مثل الملفوف والطماطم في المحطة لتوزيعها على المزارعين إلى أن يصبحوا من ذوي الخبرة الكافية”.لقد أسهمت المحطة، إلى جانب المدرسة الزّراعية، في إحداث نقلة نوعية في مجال الزّراعة بإمارة رأس الخيمة، وتطورت لتشمل مكاتب وعيادة بيطريّة وورشة ميكانيكيّة، فضلاً عن مزارع للدّواجن التي ضمّت 700 دجاجة مستوردة. إضافة إلى ذلك، كان هناك قِطْعان من الماشية السّنديّة الحمراء والماعز الدمشقي. حيث كتب جيه. سي: “في فصل الشّتاء المقبل، يجب إجراء اختبار بسيط لمحصول واحد أو محصولين، مثل الطّماطم والبصل، لمعرفة ما إذا كان يمكن تقليل كمية المياه المطلوبة، السّيد فان أولينباخ سيكون قادراً على تقديم المشورة بشأن كيفية إجراء هذه التجربة البسيطة، من شأن هذه التجارب أن تُظهر إمكانية زراعة مساحات كبيرة بالمياه المتاحة، وسيُشكّل هذا الأمر أهمية كبرى للمزارعين المحليين”. كما اقترح جيه. سي أيضاً، أن تقتصر المدرسة على ثمانية من الصبية تقريباً، فكتب يقول: “ستلبي المدرسة الاحتياجات الأساسيّة، ولكن يجب اختيار الأولاد بعناية من بين العائلات التي يمكنها تطوير أراضيها. سيساعد الأولاد في زراعة الأراضي في المحطة الزّراعية برأس الخيمة، ومن المفضل أن يكتسب الأولاد أيضاً بعض الخبرة في رعاية الثّروة الحيوانية”.استمر نشاط المحطة والمدرسة الزّراعية حتى عام 1972 للميلاد، إذ تولّت إدارتهما وزارة الزّراعة والثّروة السمكية، وهي الآن تتبع وزارة البيئة والتغيّر المناخي، حيث يتم التّركيز على نظام التّنمية المستدامة الوطنيّة للزّراعة، نظراً لأن الأمن الغذائي يمثل أولوية وطنية، كما يتوجه التركيز نحو المحافظة على المياه والزّراعة المائية والزّراعة العضويّة وتعزيز وتنفيذ وتركيب أنظمة الرّي الحديثة، وتعد جميع هذه المبادرات جزءاً لا يتجزأ من مبادرات الأمن الغذائي لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تشمل جهود تحسين وتعزيز إنتاج الأراضي، وتقليل استخدام المياه، والاستثمار في المنتجات العضوية وتربية الأحياء المائيّة.