مع مطلع القرن السادس عشر، رسّخت رأس الخيمة من مكانتها بوصفها مركزاً رئيساً للتجارة البحرية في جنوب شرق الجزيرة العربية ولعدّة قرون، كما أنّها واصلت تميزها لتصبح مركزاً لوجستياً واستراتيجياً مهماً، ما أدى إلى ازدياد نفوذها وثروتها، ووَصَف الرّحالة الإيطالي لودوفيكو فارتيما منطقة جلفار في بداية القرن الحالي، بأنها “غنية بكل شيء”، مشيداً أيضاً بـــ “مينائها البحري الجيد”، بعد أن رأى توافد التجار من هرمز والهند إليها.، كما استمتع بالبيئة العالمية لجوهرة القرون الوسطى.خلال السنوات القليلة الأولى من القرن الجديد، بقيت رأس الخيمة متأثرة بمملكة هرمز التي شهدت فترة من الاضطرابات الداخلية امتدت في الفترة من عام 1498 وحتى عام 1505 للميلاد، وعلى الرغم من التنافس الشديد على العرش، إلاّ أنه في غضون بضع سنوات، مالت كفّة القوى الإقليمية بشكل كبير، ليُكتب بعد ذلك فصلٌ جديدٌ بالكامل من تاريخ رأس الخيمة، فعندما هاجم البرتغاليون هرمز بقيادة أفونسو دي ألبوكيرك عام 1507 للميلاد، كان ذلك إيذاناً ببدء الهيمنة الأوروبية على الخليج العربي، وكان البرتغاليون أول المُؤَيّدين الأوروبيين للسّطوة البحرية وفرض الحماية للهيمنة على النفوذ العربي البحري، وقد أدى وصولهم إلى التأثير بشكل كبير على التجارة الحرة لعدّة قرون.رسم توضيحي لبحّارة من كتاب كوديكس كاسانتس الذي يضم رسومات برتغالية تعود للقرن السادس عشر تصوّر أشخاصاً وثقافات قابلها البرتغاليون في الهند ومنطقة المحيط الهادي.فرض البرتغاليون احتكارهم على التجارة لأكثر من 100 عام، فقلبوا ميزان القوى، الأمر الذي أدى إلى تدهور المصالح العربية، حيث قاموا بتحويل المحيط الهندي والخليج العربي إلى مناطق عسكرية؛ ممّا دمر إرثاً تجارياً يعمّه السِّلم على مدى قرون من الزمن بين العالم العربي وشبه القارة الهندية. وفجأة، وبعد الثّراء الذي كان يتمتّع به البحّارة من جلفار وساحل الباطنة نتيجة النّشاط البحري السّلس وجدوا أنفسهم تحت رحمة قوة أجنبية، قوة لا تتورع عن استخدام العنف الشديد لفرض سيطرتها على التجارة الدولية.وممّا لا شك فيه، كانت التّداعيات على رأس الخيمة كبيرة للغاية؛ فعلى الرغم من أن البرتغاليين لم يُخْضِعوا مملكة هرمز بالكامل حتى عام 1515 للميلاد، إلاّ أنّ سقوطها أجبر جميع المدن والموانئ في الخليج العربي على تقديم الولاء للبرتغاليين، وكان البرتغاليون في الأساس جامعي ضرائب، ومن خلال عملية تحصيل الجمارك في هرمز، حصدوا ثمار التجارة المربحة التي تَمُرّ عبر مضيق هرمز. كما أنشؤوا نظام ترخيص يعرف باسم “كارتاز” الذي رسخ احتكارهم للتّجارة ومكّنهم من جمع الأموال من خلال الضرائب، وكان على الموانئ أيضاً دفع الجزية للبرتغال من خلال هرمز التي كانت أكثر من مجرد تابعة بعد هزيمتها، ومن بين تلك الموانئ نجِدُ ميناء جلفار الذي كان في طور التّنازل عنه لصالح رأس الخيمة رغم وصول البرتغاليين، ويشار إلى أن خريطة البندقية من القرن السّادس تأتي على ذكر رأس الخيمة بدلًا عن جلفار، إذ من المحتمل أن تكون جلفار قد تحوّلت إلى مصطلح جغرافي في ذلك الوقت.لقد حظيت رأس الخيمة بأهمية بالغة لدى البرتغاليين للأسباب نفسها التي استقطبت أنظار الإمبراطوريات والممالك السابقة، لاسيّما موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يتيح الوصول إلى مزارع النخيل الخصبة، والذي جعلها أيضاً محطة تجارية مزدهرة لمختلف السّلع والبضائع، بدءاً بالتّوابل ووصولاً إلى اللّآلئ. كما كانت تُزوّد جزيرة هرمز بالسّلع والدّعم اللّوجستي، وحازت شهرة واسعة نظراً لنشاطها البحري وثروتها الكبيرة، وذلك وفقاً لموجز أعدّه المؤرخ البرتغالي جواو دي باروس عن ثروةِ ودَخل مَلك هرمز في عام 1515 للميلاد، حيث بلغت عائدات جلفار 3000 بارداوس (عملة قديمة)، متجاوزة جميع الموانئ، باستثناء ميناء واحد آخر في المملكة كانت تتساوى معه.مدينة وحصن هرمز في القرن السادس عشر، وفقاً لتصور غاسبر كوريا في كتابه "أساطير الهند" (Lendas da Índia)ومع ذلك، فإنّ الأدلة على الحضور البرتغالي المباشر في رأس الخيمة محدودة، على الرّغم من وجود أطلسٍ لرسامِ الخرائِطِ لازارو لويس يسجّل سلسلة من القلاع البرتغالية على طولِ ساحلِ شبه جزيرة عمان، بما في ذلك واحدة في جلفار عام 1563 للميلاد. ورغم الإشارات العديدة إليها في كل من الخرائط والمراسلات الرسمية، إلا أنه لا وجود لبقايا أثريّة لهذه القلعة أو أيّة قلاع أخرى تمّ اكتشافها، الشيء الوحيد الذي تركه البرتغاليون وراءَهم هو عدد كبير من الوثائق، بما في ذلك الرسائل الشخصية والرسمية ومذكرات لمختلف المسؤولين البرتغاليين. وتُظْهِر بعضها أهميّة الميناء في ذلك الوقت، بينما يشير البعض الآخر إلى حالة الحرب شبه المستمرة التي كانت سائدة. وفي عام 1525 للميلاد، وردت رسالة إلى حاكم الهند تم الإشارة فيها إلى أن رأس الخيمة كانت ميناء يعادل في ثروته البحرين، بينما يشير سجل الأحداث في عام 1521 إلى تجارة الفلفل. وأفادت رسالة في عام 1546 للميلاد من رافائيل لوبو إلى جواو دي كاسترو - نائب الملك في الهند البرتغالية- بأن العديد من السفن تفضل أن ترسو في ميناء رأس الخيمة دون دفع أية جزية للتّاج البرتغالي، في نفس العام بعث سيباستياو لوبيز لوباتو برسالة إلى دي كاسترو يتحدث فيها عن هجوم قام به بدو بنو جبر وعمليات نهبٍ للميناء. وكانت هناك مراسلات سابقة بين دي كاسترو ووزير هرمز تمّ الإشارة فيها إلى بناء قلعة بني جبر في صُحار، مع إرسال قوات رأس الخيمة والبحرين لتدمير تلك القلعة بقيادة وزير رأس الخيمة رئيس شهاب الدّيننادراً ما تَدَخّل البرتغاليون في شؤون الخليج الأدنى تاركين الأعمال اليوميّة والإشراف على موانئ جنوب شرق الجزيرة العربية إلى هرمز، غير أنّهم وجدوا أنفسهم مضطرين للتّدخل فقط عندما بدأ التّمرد المفتوح، كما حدث في عام 1521 للميلاد، حيث انطلقت شرارته الأولى من البحرين، قبل أن تَمْتَد إلى صُحار عام 1523 للميلاد ومسقط وقلهات عام 1526 للميلاد، وفي مرحلةٍ ما، انْدلع العُنْف أيضًا في رأس الخيمة، وراح ضحية هذه الأحداث عدد كبير من التّجار البرتغاليين في المدينة، وتم تسجيل أكبر عدد للتّجار المقتولين خارج مضيق هرمز في جلفار، وهذا يشير إلى الأهمية التي يوليها التّجار البرتغاليون لرأس الخيمة.لم يكن البرتغاليون متورطين مباشرة بما حدث في رأس الخيمة إلاّ بعد استيلاء الإنجليز والفرس على هرمز، وفقدان مدن أخرى مهمّة في عام 1622 للميلاد، فقد تحوّل اهتمامهم إلى شبه جزيرة عُمان بعد تجريدهم من قاعدتهم في الخليج العربي، الأمر الذي أدى إلى جعل مسقط قاعدتهم، حيث قاموا بمهاجمة واحتلال الموانئ على طول الساحل، ووفْقاً للتّقرير الوارد عن مآثر الأدميرال روي فريري دا أندرادا، فقد أبْحرت سفينتان بقيادة فيليب دا فونسيكا وجاسبار بيريرا إلى رأس الخيمة نحو عام 1621 أو 1622 للميلاد بعد ورود تقارير عن تمرّد في كل من رأس الخيمة والرمس، وشَهدت المعركة قتالًا شرسًا لاستعادة المدينة، حيث اسْتَخْدَم السّكان المَحَلِيّون المسجد كحِصْن مؤقت، ثمّ ما لبثَ وأن استعاد البرتغاليون صُحار لاحقاً، تَبِعَتْها دبا وخورفكان في عام 1623 للميلاد.خلال هذه الفترة من التّمرد ضد الحكم البرتغالي ورد أول سجل مدوّن يذكر القواسم؛ فوفقاً لمصادر برتغالية، استولى زعيم يُعرف باسم “القاسمي” على الحصن في كلباء، وعلى الرغم من استعادة الحصن لاحقاً، إلاّ أنّ المرجع يشير إلى أن القواسم كانوا في ذلك الوقت قوة راسخة بالفعل، وتم ذكر العائلة الحاكمة مرّة أخرى عام 1650 للميلاد، لكن هذه المرة بوصفهم جزءاً من معاهدة السّلام التي عُقدت بين البرتغاليين والعُمانيين (انظر القسم الخاص بالقواسم). وعلى الرغم من أن أصولهم لم تكن مُؤكّدة، إلاّ أنّ ما يمكن تأكيده هو أن القواسم كانوا من بين الشّخصيّات البارزة التي ذكرها البرتغاليون كثيرًا.استمر الوجود البرتغالي في رأس الخيمة قرابة أحد عشر عاماً، ويجب الإشارة إلى أنّ هناك مخطوطات يعود تاريخها إلى عام 1629 للميلاد تشير إلى بناء قلعة أندرادا. وفي نهاية المطاف أدى ظهور ناصر بن مرشد، أول إمام لسلالة اليعربي في عُمان، إلى نهاية الاحتلال البرتغالي. حيثُ نجح الإمام بتوحيد القبائل العُمانية المتحاربة، وهذا أدى إلى شنّ هجوم على رأس الخيمة والرّمس في عام 1633 للميلاد، والنجاح في الاستيلاء على كلتا المدينتين. ووفقاً لمصادر برتغالية، فقد تمّت تسوية رأس الخيمة بالأرض، ممّا أدى إلى هجمات انتقاميّة للبرتغاليين على طول الساحل الشرقي بما في ذلك السّيب في عُمان حالياً.ربما تكون خسارة مضيق هرمز قد شكّلت نهاية التّفوق البرتغالي في الخليج، لكنّ الهجمات المنسقة لليعربي وتهافت قواته على المصالح البرتغالية الممتدّة على طول الطّريق إلى ساحل شرق أفريقيا هي من أهم العوامل التي أدّت إلى انهيار القوّة والنّفوذ البُرتغالِيَّيْن حيث استولى اليعربي على صحار عام 1643 للميلاد ومسقط عام 1650 للميلاد. وعلى الرّغم من استمرار البرتغاليين في متابعة مصالحهم بالمنطقة حتى أوائل القرن الثّامن عشر، إلاّ أن وصول القوات البحرية الهولندية والإنجليزية ضيّق الخناق عليهم، وأدّى إلى ظهور قوى جديدة في المنطقة.